الأسماك أضخم رافد اقتصادي في اليمن - حضرموت نموذجا
بقلم أ/ عدنان باوزير
________________________
اليمن ليس بلدا فقيراا و إنما هو بلد يُراد له أن يكون فقيرا ومع سبق الإصرار والترصد، ولن أتحدث هنا عن ثرواته المطمورة الهائلة من نفط ومعادن وغير ذلك، ولا عن قدراته الزراعية الضخمة وتربته الخصبة وتعدد مواسمه الزراعية بتعدد تضاريسه المختلفة وخبرة شعبه في هذا المجال والتي تراكمت عبر آلاف السنين، أو عن إمكانياته السياحية الواعدة والمتعددة (سياحة أثرية، وتاريخية، وثقافية، وبيئية وحتى دينية) وإلى غير ذلك من الموارد الاقتصادية الأخرى التي يملكها هذا البلد والتي أهمها جميعاً شعبه العظيم المنتج والمبدع، سأتحدث هنا فقط عن ثروته البحرية الكبيرة والدائمة والتي لا تنضب، وتحديداً في منطقة جغرافية محددة هي (حضرموت) وذلك لكبر الموضوع وتشعبه.
تشير الدراسات إلى أن معدل استهلاك الأسماك في العالم هو 20 كيلو جرام لكل فرد وفي بلادنا من 6-7 كيلو للفرد الواحد سنويا، أي أن الطلب العالمي على الأسماك مستمر ودائم وفي تزايد، وقد بلغت صادرات اليمن من الأسماك 120 ألف طن سنويا وكانت تحتل المرتبة الرابعة عربياً بعد المغرب وموريتانيا ومصر حسب إحصائية 1993م، وهو موقع يعتبر متأخر جداً لما تمتلكه اليمن من إمكانيات في هذا المجال، حيث تشير دراسات أخرى الى أنه يمكن اصطياد أسماك وأحياء بحرية من خليج عدن وحده تقدر ب 320 ألف طن سنويا بواقع 6,6 طن لكل كيلو متر مربع، عام 2012م، ولقد ساهم قطاع الأسماك بحوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي، وشكل ثاني أكبر مصدر لإيرادات التصدير بعد النفط بما قيمته 300 مليون دولار، وتزخر مياه اليمن الإقليمية في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن بحوالي 400 نوع من الأسماك، وينقسم قطاع الأسماك إلى مكونين أساسيين: مصائد الأسماك البحرية والاستزراع السمكي،إلا أن النوع الأول هو المهيمن في اليمن.
حضرموت أنموذجا :
من إجمالي طول الشريط الساحلي اليمني والذي يبلغ 2500 كيلو متر على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، تملك حضرموت شريطاً ساحلياً بطول (120 كيلو متر) يمتد من بئر علي غرباً وحتى (حضاتهم)، شرقاً والواقعة بالقرب من الميناء السمكي في سيحوت (الداخلة إدارياً ضمن محافظة المهرة) ويضم هذا الشريط حوالي (11) جمعية للصيادين، حيث تعد حضرموت أكثر محافظة بأعداد الصيادين( 34228) صيادا عام 2005م، وقد تراجع إلى عدد (18467) عام 2010م.
وتتميز سواحل الاصطياد فيها لوقوعها في منطقة التيارات البحرية الجنوبية الدافئة المفتوحة على المحيط الهندي بوفرة كبيرة جداً بالأسماك والأحياء البحرية الأخرى ذات القيمة الغذائية المرتفعة ك (الديرك، التونة، الزينوب، السخلة، الشروي، القرش -الذي تدخل زعانفه في بعض الصناعات إضافة الى قابليته للحفظ بواسطة التجفيف والتمليح-، الشروخ -صنف نقدي عالمي-، والحبّار وغيرها. كما أن نسبة إنتاج حضرموت وحدها من سمك التونة المعروفة محليا (بالثمد) تصل إ لى أكثر من 86% من إجمالي إنتاج البلد كلها من هذا الصنف التجاري المطلوب، ويوجد بها حوالي (8) مصانع لتعليب هذا النوع من الأسماك هي مصانع : الغويزي، سبأ، الريان، بحر العرب، المكلا، و ثلاثة تحت التأسيس هي : الوطنية، مصنع حضرموت، شركة ساحل حضرموت للصناعة والاستثمار. وتوجد بها 17 شركة تصدير أسماك من أصل 25 شركة بكل اليمن في 2007م، مسجلة فقط للتصدير للاتحاد الأوربي.
مفارقة : حضرموت الغنية بالثروة السمكية تستورد الأسماك من الخارج :
يعتمد الناس في حضرموت تحديداً على الأسماك بدرجة كبيرة في غذائهم، ولكن للأسف رغم كل تلك المزايا السمكية التي ذكرناها أعلاه، هل تصدق أننا في حضرموت لا نجد في الأسواق سوى نوعين أو ثلاثة من أصناف الأسماك وبأسعار خيالية، حيث بلغ سعر كيلو سمك التونة وهو الصنف الشعبي الأكثر رواجاً ل (5000) ألف ريال للكيلو الواحد !! ويوجد في السوق نفس هذا النوع من السمك ولكنه (سمك صومالي) يباع الكيلو ب (3000) الف ريال للكيلو ولكنه فقير بالدهون وليس له نفس المذاق المحلي، كما يوجد في السوق حالياً وهذه هي الطامة الكبرى أسماك غريبة مصدرها أستراليا أو نيوزلندا مذاقها غريب وقد كثرت الإشاعات المتداولة حول سبب دخولها اليمن، فيتداول بعضهم أنها أسماك مياه حلوة وربما مياه قنوات ملوثة حُظر بيعها هناك فتم استقدامها لليمن، ورواية أخرى أنها تتبع سفينة اصطياد غير قانوني وقد هربت من أستراليا ودخلت المياه الإقليمية لليمن قرب شواطئ حضرموت بالغلط فتمت مصادرة حمولتها وبيع الأسماك في مزاد عام وبالتالي دخوله السوق المحلية، كيفما كان الأمر فهذا ينبئك بشحة وقلة توافر الأسماك المحلية في السوق، وكل الكميات المصطادة محلياً بواسطة شركات الاصطياد الأجنبية و العربية واليمنية كلها تذهب للتصدير للخارج ويُترك السوق المحلي خاويا من أسماك البلد، بل وحتى نتاج الصيد التقليدي بقوارب الصيادين المحليين الفردية الصغيرة يتم شراؤه من قبل تجار الأسماك الكبار في مزادات أسواق السمك بأسعار أغلى وتصديره هو الآخر. ولا تتوقف صدمة هذه المفارقة هنا بل تتخطاها إلى إنتاج المصانع المحلية من الأسماك المعلبة، كلها تصدر للخارج وقبل أسبوع قمت شخصياً بمسح عدة بقالات أبحث عن علبة تونة محلية واحدة من إنتاج المصانع المحلية الثمانية المعروفة فلم أجد ولا علبة، كل المعروض أصناف تايلندية رديئة مستوردة والإنتاج المحلي غير موجود !! لا ضير من التصدير ولكن يجب عمل توازن ما بين السوق المحلية والخارج وإلزام كل شركة صيد أو شركة تصدير او جمعية سمكية ببيع نسبة من إنتاجها في السوق المحلية، والأدهى من هذا أن كل عائدات تلك الأسماك المصدرة كلها من العملة الأجنبية لا تعود للبلد لترفد الاقتصاد الوطني وتعزز وضع العملة المحلية بل تبقى وتستثمر في الخارج.