الذكاء التجاري والنبي يوسف عليه السلام
بقلم م/ محمد أسماعيل المؤيد متخصص في الذكاء الصناعي
ظهر في العصر الحديث ما يسمي بالذكاء التجاري " Business Intelligence " أو كما يحلو للبعض تسميته الاستخبارات التجاريةوهي- كما قام الكثيرون بتعريفها- الحصول على المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب لاتخاذ أفضل القرارات،المعلومات اليوم يتم الحصول عليها من عدة مصادر إلكترونية تكون في الأصل عبارة عن بيانات مجمعة هنا وهناك.
يقول الخبراء إن تاريخ الذكاء التجاري يرجع إلى السبعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت ثورة المعلومات تنتشر واعتمد عليها في تسيير المؤسسات التجارية والحكومية ومن ذلك الوقت تم الاهتمام بكيفية الحصول على المعلومات بالشكل السريع و السلس و في نفس الوقت ظهرت تكنولوجيا ما يسمي بـمخزن البيانات " Data warehousing " وهي تحتوي على البيانات المجمعة من عدة مصادر، وبذلك أزدادت أهمية الذكاء التجاري و بدأت الشركات المعنية بتطوير أدوات خاصة بهذه التكنولوجيا .
حقيقة الأمر إن الذكاء التجاري كان موجودا من قديم الزمان ولكن الفرق اليوم ان المعلومات يتم الحصول عليها من الكتب و الخرائط و حتى من الكتابة على الحجر وغيرها و وكان اعتماد الناس كثيرا على ذكاء المستشاريين وقدراتهم وعلى استحضار المعلومات لاتخاذ القرارات الاقتصادية و السياسية ، وأعتقد أن من أهم الشخصيات التاريخية التي استطاعت أن تحقق أكبر عملية إنقاذ اقتصادي في التاريخ هي شخصية النبي يوسف علية السلام .لقد استطاع النبي يوسف بما أوتي من العلم و الحكمة أن ينقذ شعب مصر من الهلاك المحتوم يقول الله عز و جل (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) . صدق الله العظيم.
عندما قام النبي يوسف عليه السلام بتفسير رؤيا الملك ،تم تعيينه على خزائن الأرض و ذلك لترجمة ما تعلم من الله على أرض الواقع حيث إن في ذلك الوقت لم يكن يوجد أي شخص قادر على إدارة خزائن الأرض وإدارة السنوات الأربعة عشر التي مرت بها مصر كيوسف .كان من أهم الأهداف لعبور الأزمة هو تخزين الحنطة , ولكن كيف و كم تحتاج الدولة من المخزون لسبع سنوات ؟.
فالإجابة عن ذلك كانت عند النبي يوسف عليه السلام ، لقد قام النبي يوسف عليه السلام بجمع المعلومات التالية :
كم عدد السكان في كل مدينة وقرية .
كم عدد الحيوانات من بهائم و أغنام وغيرها
ما هو حجم استهلاك الأفراد و الحيوانات .
كم عدد الأراضي القابلة للزراعة .
كم عدد ومساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة وغير الخاضعة للدولة .
كم عدد العمال العاملين في هذه الأراضي .
كم عدد الوافدين من الدول أو الأماكن المجاورة .
نسبة النمو السكاني .
وغيرها من المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارت التي يحتاج لتنفيذ المشروع ، فبعد حصوله على المعلومات الدقيقة أتخذ القرارات اللازمة لإنجاح المشروع ، فقد بني عدة مدافن للقمح موزعة حسب التجمعات السكانية في الدولة .طبعاً أثناء القحط لم يقم بتوزيع القمح بشكل عشوائي ولكن بناءً على ماتم حصره و جمعه من معلومات عن المواطنين و القوانين التي سنها في ذلك الوقت . طبعا نجاح المشروع الذي قاده النبي يوسف في ذلك الوقت له عدة أسباب و أهم هذه الأسباب هي إرادة الله ، الذي أراد أن يظهر قدرته و قوته من خلال أنبيائه عليهم السلام والأسباب الأخرى هي قوة الأيمان التي تحلى بها نبي الله يوسف و ثقته بالله و حسن الإدارة التي تعلمها بفضل من الله.
أراد الله من قصة يوسف أن يبين للناس أسباب النجاح و الطرق المثلى في بناء دولة اقتصادية من الطراز الأول .بفضل من الله فإن إمكانات العالم اليوم أفضل عما كان عليه في العهود السابقة , و مع ذلك فالعالم اليوم يعيش أزمات اقتصادية من وقت لآخر وفقرا مدقعا في كثير من الأماكن من العالم .
إن مراكز البحوث و مراكز المعلومات في العالم أصبحت توفر المعلومات بشكل دقيق لصانعي القرارت في العالم ولكن العالم في تخبط إلى اليوم، بسبب هذا التخبط فالعالم و الدول الإسلامية خاصة مطالبة بالرجوع إلى الثوابت الإنسانية لوجود الإنسان في الأرض وبناء اقتصاديات و مجتمعات تقوم على احترام الإنسان خالية من الأطماع و الشهوات التي تدمر الحجر قبل الإنسان،المطلوب أيضاً وضع حلول اقتصادية توفر الأمن الغذائي لجميع الناس بدون استثناء والاستفادة من تاريخ الأزمات و مسبباتها بشكل جدي .