المحميات الزراعية من أجل يمنك السعيد
بقلم/ أيمن محمد قائد
لم يعرف الإنسان البدائي الحضارات قبل أن يفطن إلى الزراعة، حيث كان يقضي معظم وقته لمطاردة الحيوانات لصيدها، والانتقال من مكان إلى آخر. وبعد أن عرف الإنسان الزراعة، ظهرت اول حضارة وهي الحضارة السومرية في بلاد الرافدين حسب بعض المصادر.
ومنذ ذلك الحين بدأ الإنسان في ممارسة "الفلاحة" بمعناها الحرفي، حتى تطورت مع الوقت وبدأ يبتكر وسائل الري وتغذية التربة واللجوء إلى تقنيات الهندسة الوراثية التي من شأنها الحفاظ على جودة المحصول.
وبالتالي فإن أساس قيام الحضارات هي الزراعة، وبلاشك فإن سر قوتها يكمن في الاكتفاء الذاتي من الزراعة!
كانت اليمن في سبعينيات القرن الماضي قد انتهجت استراتيجية فعالة لدعم القطاع الزراعي من خلال ما يسمى بالتعاونيات، حتى تدخلت قوى الشر في المنطقة؛ وجعلت من اليمن أكبر سوق استيرادي حتى على مستوى الزبيب والبن الذي عرفت اليمن به!
لكن ظهرت استراتيجية جديدة مشابهة للتعاونيات، بل تميزت أيضا بمرونتها مع التحديات الجديدة التي تواجه قطاع الزراعة؛ والمتمثل في الزحف العمراني العشوائي في ضواحي المدن الرئيسة التي قضى على قرى زراعية بأكملها.
ففي العقود الماضية وعلى سبيل المثال؛ ألتهم التوسع الحضري العديد من المناطق الخضراء والزراعية حول العاصمة، خاصة جنوب الأمانة وشمالها، وبدأ هذا السرطان التوسعي بالتوجه نحو شرق العاصمة، والقضاء على العديد من مزارع العنب والخوخ "الفرسك" في وادي سعوان؛ الأمر الذي اضطر أبناء بعض تلك القرى من دق ناقوس الخطر، وإعلان ما تبقى من تلك المناطق الزراعية محظورة من البيع لمن ليسوا من أبناء تلك المنطقة!
وقد تجاوبت السلطات مع رغبة أبناء تلك المنطقة، وتم إعلان قرية خربة سعوان محمية زراعية يمنع بيع أراضيها؛ الأمر الذي يشجع من استغلال أراضيها الخصبة في ما اشتهرت به من المحاصيل النقدية مثل العنب والخوخ، والخضروات والثروة الحيوانية.
وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذه القرية سواء من الناحية الزراعية، أو السياحية كونها المتنفس الوحيد للعاصمة صنعاء من الجهة الشرقية، أو الاستراتيجية لاحتوائها على إثنين من أكبر السدود المائية في المنطقة وهما يغذيان حوض صنعاء؛ إلا أن هذا لا يكفي.
حيث يجب أن يكون هذا توجها عاما للدولة، وليس مجرد مبادرة من الأهالي، ويجب أن تعمم هذه التجربة في جميع المناطق الزراعية المتبقية في ريف الأمانة، وأن يتم تفعيل دور وزارة الزراعة والاتحاد التعاوني الزراعي بالشكل الذي يلبي تطلعات المزارعين، ويلبي احتياجاتهم،خاصة فيما يتعلق بتوفير الديزل، وسعره، وإجراءات تسويق المحاصيل.
إن من الضروري أن تسعى وزارة الزراعة بالتعاون مع كلية الزراعة من انتداب مهندسين زارعيين لكل منطقة، لتقديم خدمات مجانية للمزارعين ومساعدتهم لمكافحة الآفات التي تمس المحاصيل بالطرق الحديثة، والحد من استخدام المبيدات والأسمدة الضارة، للخروج بأفضل نتيجة من المحصول؛ الأمر الذي يرفع من جودة المنتج وبالتالي الطلب عليه.
لا عذر للسلطات فيما يتعلق بالتنسيق، فلن يكلف الخزينة العامة الكثير، بل إن استصلاح الأراضي الزراعية خير للبلاد من استصلاح بعض الشوارع أو بناء بعض النصب التذكارية التي ليس الغرض منها سوى غسيل الأموال الملطخة بالفساد الإداري والمالي.
لن يكون اليمن سعيدا إلا بالزراعة، ولن تكون الزراعة رافدا للاقتصاد مالم تتلق الاهتمام الكامل من السلطات، والتخطيط الاستراتيجي الذي يحد من سرطان التوسع الحضري، والمحافظة على ما تبقى من اراضي زراعية لتكون محميات زراعية من أجل اليمن السعيد.