الغذاء والدواء وجهان لعملة #الصحة التي يسعى الجميع للتمتع بها والحفاظ عليها، فكما أن الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء من الغذاء من أهم ركائز الأمن القومي، فتحقيق الأمن الدوائي لا يقل عنه أهمية، وبذلك يرتبط هذا المقال في جزئية معينة بمقال العدد الماضي الذي ناقشنا فيه أهمية وضرورة الاكتفاء الذاتي في الجانب الزراعي، حيث إن اليمن في مقدمة الدول الفقيرة التي تعتمد على المساعدات الخارجية وتستورد المواد الغذائية والدواء من الخارج.
وكما أشارت تقارير المنظمات الدولية باحتمالية أن يصل حوالي ٢٦٥ مليون شخص حول العالم إلى الجوع الحاد بنهاية ٢٠٢٠، وذلك بسبب الأزمات المتعاقبة التي عصفت بالعالم، فالعدد أضعاف أضعاف ذلك من يعانون من نقص أو انعدام الدواء في الدول الفقيرة حول العالم ومنها اليمن، خاصة أن اليمن يعاني من المجاعة وتفشي الأوبئة وضعف المنظومة الطبية بسبب الحرب والحصار الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
حيث تسبب الحصار المفروض على اليمن بنقص حاد في الغذاء والدواء والوقود، إلى جانب الغارات الجوية على المرافق الصحية ومحطات توليد الكهرباء وشبكات المياه ومستودعات الغذاء مما أدى إلى نشوء أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
وبالنظر إلى كون دول العالم أجمع في حالة طوارئ وتأهب في مواجهة وباء كورونا، وتسابق الدول العظمى إلى إيجاد لقاح أو مصل علاج لهذا الوباء الذي هدد ودمر اقتصاديات الدول، نجد أن الشعب اليمني يعتمد في دوائه على المنتجات المستوردة حتى في أبسط المحاليل والمركبات الدوائية ومحاليل الفحص والمستلزمات الطبية.
لعل ذلك يعود إلى غياب القطاع الدوائي من خطط واستراتيجيات الحكومة على مر عقود من الزمن، على الرغم من وجود بعض المصانع التي تنتج عددا محدودا من العلاجات والمسكنات الدوائية بالرغم من النباتات والأعشاب الدوائية المتوفرة في اليمن بكميات كبيرة وعلى نطاق واسع، خاصة مع تنوع المناخ في اليمن.
لكن الشركات الوطنية المنتجة للدواء مقتصرة فقط على خط إنتاج محدد لنوع معين من المسكنات وخافضات الحرارة في ظل منافسة حادة مع الأدوية المستوردة من حيث الجودة والسعر، وغياب استراتيجية التطوير وفتح خطوط إنتاج للأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة كالضغط والقلب والسكري..
كما ألفت عناية الجهات الحكومية المختصة إلى أن جشع بعض تجار الأدوية يدفعه إلى تسجيل أحد أصناف الدواء المستورد بوكالته الحصرية، حتى إذا ما وجد البديل ذو الجودة الرديئة وهامش الربح الأوفر، كف عن استيراد ذلك الصنف، مما يضطر المستهلك إلى دفع المزيد من الأموال لقاء حصوله على ذلك الدواء البديل ذي التكلفة العالية، وبسبب قانون "حق الوكالة الحصرية" لا يستطيع أي تاجر آخر استيراد ذلك الصنف كونه مسجلا
مسبقا في الهيئة العامة للدواء، فيشكل ذلك الاحتكار عبئا على المواطن..
لعل أهم الخطوات في جانب الاكتفاء الذاتي في الجانب الدوائي هو تطوير المعايير الأكاديمية لخريجي كلية الصيدلة، والعمل على تطوير مخرجات كلية الصيدلة بما يواكب الأهداف المرجوة في رفع قدرة اليمن في مجال التصنيع الدوائي، وفتح باب الشراكة بين الجانب الأكاديمي في كليات الصيدلة والجانب العملي في مصانع الأدوية الوطنية ليتسنى للطلاب والباحثين التطبيق إلى جانب التأهيل العلمي واكتساب المزيد من المهارات العملية والخبرات الكفيلة بتحويله من بائع أدوية أو صارف لها إلى صانع أدوية بما يسهم في تقديم كادر وطني ذي خبرات قادرة على رفع معدلات إسهام الصناعات الدوائية في السوق المحلي، وتحقيق الأمن الدوائي بشكل نكتفي فيه ذاتيا، ومن أجل يمنك السعيد.. اصنع دواءك بنفسك.