دور سلاسل القيمة الغذائية في ضمان الأمن الغذائي
Food Value Chains Improvement
د. عبدالغني عبدالله جغمان
استشاري في الحوكمة والتنمية المستدامة
مجلة اكتفاء العدد الــ 12 لشهر يوليو 2020
___________________________________________________________
تسعى أغلب الدول في العالم وخصوصا في منطقتنا العربية إلى تعزيز حالة الأمن الغذائي من خلال الإنتاج الزراعي (الغذائي) المحلي، وخلال عقود من الزمن لم تنجح أي من السياسات التنموية الزراعية والغذائية في اليمن من تقديم شيء يعمل على تعزيز حالة الأمن الغذائي، بل أصبحت إلى حد كبير دولة مستوردة بشكل رئيس للأغذية وأغلب المنتجات الزراعية. وهذا بحد ذاته أضعف الاقتصاد الوطني من عدة أوجه ويضعف بشكل كبير سلاسل الإمداد الغذائي ويجعل الاقتصاد الوطني عرضة لتقلب أسعار المواد الغذائية وتحكم الدول المصدرة في لقمة وعيش المواطن اليمني مما يؤدي إلى عدم امتلاكه لقراره الاقتصادي والسياسي، وبالتالي يورث التبعية وعدم الاستقلال مما يعيق بناء الدولة وتقوية الاقتصاد الوطني.
إن تعزيز جانب الاكتفاء الذاتي الغذائي يتناسب طرديا مع تطوير الموارد الزراعية في البلاد وتقليل الاعتماد على الواردات الزراعية. واستخدامها بكفاءة وإنتاجية. وفي هذا الصدد، فإن خيارات مثل تحسين إنتاجية المحاصيل والمياه وكفاءة الري، والحد من خسائر ما بعد الحصاد، وتشجيع إعادة استخدام المياه في الزراعة على المستوى المحلي، تشكل أولوية للنظر والعمل عليها. ويجب تعزيز التعاون الحكومي مع القطاع الخاص لتجاوز مشكلة ندرة الغذاء، على أساس الميزة النسبية في الموارد الزراعية ورأس المال القابل للاستثمار، إلى جانب تنسيق ومواءمة السياسات الزراعية و إستراتيجيات التنمية بما يمهد الطريق لتقليل اعتمادنا على الواردات. كما يجب الاهتمام بدور سلاسل القيمة الغذائية في توفير الأمن الغذائي والقضاء على الجوع والعوز، وتحقيق عناصر الأمن الغذائي بأكملها التي تتألف من توافرها وإمكانية الوصول إليها واستقرارها واستخدامها.
تطوير السلاسل الغذائية (Food Value Chains (FVC)
لفت الإطار الإستراتيجي العالمي للأمن الغذائي والتغذية لعام 2012 (منظمة الأغذية والزراعة FAO) الانتباه إلى دور سلاسل القيمة الغذائية في توفير الأمن الغذائي والقضاء على الجوع في العالم. في اليمن، ويعد الصراع والحروب وموارد المياه النادرة، وغياب الرؤية الإستراتيجية وضعف القدرة الحيوية على تقديم خدماتها التسويقية والترويجية وكذا التصنيعية التي تهدف الى مواكبة النمو السكاني المتضاعف ،وضعف إدارة واستخدام الموارد الزراعية المتاحة لضمان جودتها واستدامتها ،جميع ما ذكرته آنفا من أهم العناصر التي تؤثر سلباً على الأمن الغذائي للبلد. ومع ذلك، فإن فرضية هذه المقالة هي أنه ما لم يتم اختيار القضايا الهيكلية والإستراتيجية بشكل أعمق، وتناولها على المستوى الرسمي والشعبي فستفقد اليمن العديد من مكونات سلاسل القيمة الغذائية وتكبر الفجوات لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والنمو المتزايد ومكافحة الفقر والعوز الذي بدوره لا يخدم الاستقرار وجهود السلام وإعادة البناء الذي نصبو اليه في مرحلة ما بعد العدوان.
تألف سلسلة القيمة الغذائيةFood Chain من جميع أصحاب الشأن الذين يشاركون في الأنشطة المتسقة في مجال الإنتاج والقيمة المضافة التي تكون ضرورية لصنع منتجات غذائية. وتضم سلسلة القيمة الغذائية الأساسية الفاعلين في سلسلة القيمة الذين ينتجون أو يوفّرون منتجات على مستوى الإنتاج، ويضيفون قيمة على هذه المنتجات ثم يبيعونها للمستوى التالي. ويضطلع هؤلاء الفاعلون بأربع وظائف إنتاجية هي: الزراعة، وصيد الأسماك، وحصاد المنتجات الحرجية أو الزراعة الحرجية، والتجميع، والتجهيز والتوزيع (البيع بالجملة أو بالتجزئة).
وتتسم مرحلة الإنتاج والتجميع بأهمية خاصة بالنسبة إلى سلاسل القيمة الغذائية في اليمن، حيث إن عملية تجميع وتخزين كميات صغيرة من المنتجات المجمعة من منتجين متفرقين جداً من بين أصحاب المزارع الفردية الصغيرة، غالباً ما تطرح تحدياً كبيراً. ونشاهد جهودا فردية هنا وهناك من تجار يحاولون تجميع المنتجات الواصلة إلى أسواق عواصم المحافظات ومحاولة تجهيزها للتصدير وغالبا ما يعتبر هذا تحدياً كبيراً نظرا لعدم وجود توجه حكومي بهذا الصدد.
وهنا نشير إلى أن ارتباط الفاعلين في سلسلة القيمة الغذائية بعضهم ببعض وبالبيئة الأوسع نطاقاً التي يعملون فيها من خلال هيكلية حوكمة يعد ارتباطا ضعيفا جداً، وذلك بسبب عدم كفاءة أو وجود تعاونيات زراعية أو سمكية تنسق وتربط بين الفاعلين بشكل أفقي في السلسة (مزارعين، صيادين،.) ، أو روابط عمودية ضمن السلسلة بكاملها، مثل المزارعين الذين يقدمون منتجاتهم من خلال عقود مستدامة إلى شركات تصنيع وتجهيز الأغذية.
أخيراً، تتحدد القيمة بخيار المستهلكين للسلع الغذائية وهم الذين سيشترونها من الأسواق الوطنية
والدولية. والمغزى من هذا هو أن عملية وضع سلسة القيمة الغذائية المستدامة تبدأ بوجود فرصة في السوق، والعمل بالاتجاه العكسي في السلسلة لتحديد الجوانب التي ينبغي تحسينها لاقتناص هذه الفرصة.
يحظى الفاعلون بمساندة الأطراف (الحكومية والخاصة) التي تقدم الدعم لمؤسسات الأعمال والمزارع والتي لا تعلن ملكيتها لمنتج سلسلة القيمة، إنما تؤدي دوراً أساسياً في تسهيل عملية توليد القيمة. ويمثل هؤلاء المزوّدون مع الفاعلين في السلسلة سلسلة القيمة الغذائية الموسّعة. فهم يوفّرون مدخلات مادية مثل البذور ومواد التغليف، أو خدمات مالية أو غير مالية مثل القروض، والتأمين، والنقل، والفحوصات المخبرية، والرش، والمعلومات، ودراسات التسويق.
لضمان استمراريه وتطوير سلسلة القيمة الغذائية، يجب أن يعمل الفاعلون في سلسلة القيمة الغذائية ومزوّدو الدعم ضمن بيئة تمكينية يؤثر طابعها بشكل كبير على أدائهم. ويمكن تمييز العديد من العناصر المجتمعية والبيئية في هذه البيئة التمكينية. تشمل العناصر المجتمعية عناصر اجتماعية وثقافية (الدين، والتاريخ، والهوية، إلخ.)، وعناصر تنظيمية (الوزارات، والمدارس ومنشآت البحوث والتنمية، وجمعيات السلع .
الوطنية، إلخ.)، وعناصر مؤسسية (السياسات، والقوانين، والتقاليد وغيرها من القواعد المكرسة اجتماعياً، والقواعد القائمة على القطاع الخاص مثل المعايير الطوعية، إلخ.) وعناصر متصلة بالبنية التحتية (الطرقات، والأسواق، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والشبكات الكهربائية، وهيكليات الري العامة الأساسية، إلخ.). وأمّا العناصر الطبيعية فتشمل مصادر المياه العذبة، والتربة، والتنوّع البيولوجي، والمناخ وما إلى ذلك
والأهمية الرئيسة التي تتأتى من الإطار التحليلي، إضافةً إلى أن الأسواق النهائية تشكل المحفزات الرئيسة، هي أن وضع سلسلة القيمة الغذائية المستدامة تضع سلسلة القيمة الغذائية في نظام أوسع نطاقاً تتوافر فيه نقاط تأثير رئيسة بحيث يصل تأثير التغيير إلى حدّه الأقصى، وحيث قد يكمن السبب الجذري لمشكلة ما - وبالتالي للحلّ الأكثر فعالية - بعيداً عن المشكلة التي جرى تحديدها، على سبيل المثال، بهدف مساعدة المزارعين على اعتماد تكنولوجيا جديدة واعدة، قد يكون من الأكثر فعالية تغيير طريقة تقديم الخدمات أو تنظيم ما، عوضاً عن العمل مباشرة مع المزارعين.
إن المعوقات التي تعترض تنمية سلسلة القيمة الزراعية والغذائية في اليمن. وتشمل هذه، من بين أمور أخرى، إهمال الزراعة والاتكال على الاستيراد، و ضعف التمويل والتسويق الزراعي، وضعف البنية التحتية، ونقص التكنولوجيا المناسبة، وضعف السياسات والأطر المؤسسية التي تحكم قطاعي الزراعة والغذاء. ومع ذلك و من أجل تطوير سلسلة القيمة الغذائية في اليمن يجب تبني سياسات شاملة وإجراءات تهدف إلى خلق وتطوير الأطر الداعمة لسلاسل القيمة الغذائية، و تحفيز القدرة التنافسية للقطاع الزراعي وتحسين شروط التجارة الزراعية، وإدخال المكنة الزراعية واستصلاح الأراضي الزراعية، وتطوير سلاسل القيمة الزراعية والغذائية وجعلها أكثر كفاءة وإنتاجية
كما إن زيادة الاستثمارات في سلاسل القيمة الزراعية والغذائية المحلية لديها القدرة على تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة ليس فقط من خلال ضمان توفر أكبر للأغذية وتحقيق الأمن الغذائي، ولكن أيضًا من خلال تحسين الوصول إلى الغذاء واستقراره واستخدامه، وكذلك تحسين الجودة والسلامة. ومع ذلك، فإن هنالك بوادر لتبني ثورة زراعية كبرى في البلاد ستكون نقطة تحول محورية في التاريخ الزراعي والاقتصادي في اليمن
في الختام، يعد تحسين أداء سلاسل القيمة الزراعية وتعزيز مشاركتها في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية ضرورة ذات نتائج اجتماعية و اقتصادية وبيئية إيجابية الآثار؛ كونها تساعد في توليد فرص العمل، وزيادة الدخل، والحد من الفقر والمساهمة في إبطاء أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة. مع ضرورة استيعاب أن إهمالها أو عدم البدء بتطبيقها كسياسات عامة سينعكس سلباً على الأمن الغذائي في الأجل البعيد والقريب، كما سيفاقم الصعوبات الاقتصادية وانتشار الفقر والجوع وتؤثر على إرساء السلام والاستقرار في البلاد بشكل رئيس
للمزيد من المعلومات تصفح المجلة على الرابط التالي