إ نعاش بيئة الاستثمار
خطوة على طريق التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي
_______________________________
أ/ محمد محمد إبراهيم صحفي اقتصادي
"لا مجال للانتظار على عتبات الأزمات التي تكتنف طريق العمل الاستثماري كأساس للنهوض البنيوي والتنموي".. هكذا تنظر حكومة صنعاء ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار، ومن ورائها المجلس السياسي الأعلى، فرغم كل التحديات التي فرضتها سنوات الحرب والحصار على اليمن، يثابر الجميع لرفع درجة الجاهزية في الدوائر الحكومية المعنية، للانطلاق الحقيقي نحو الاستثمار كسبيل أمثل لاقتصاد إنتاجي -غير نفطي- مفتوح على تنوع وتعدد الروافد والموارد، إيمانا منهم بأن أغلب الدول العظمى كاليابان والصين وكوريا وغيرها من دول الاقتصادات الناشئة في الشرق والغرب، التي شهدت الحروب والدمارو غيرها قد نهضت من ركام الخراب، بفعل تركيزها على تسهيل مهمة استثمار الموارد الطبيعية وتوجيه الطاقات البشرية نحو المجتمع الإنتاجي، وصولا إلى ما بعد الاكتفاء (التصدير).
واليمن -التي عانت خلال عقود طويلة من ضياع فرص البناء والتنمية نظرا لدوامات الصراعات وحرب وحصار سبع سنوات- لا ينقصها اليوم شيء من عوامل النجاح لتكرار تجربة تلك الدول الناهضة بقوة، فلديها حاليا الاستقلالية في القرار والنوايا القيادية الجادة، والموارد الطبيعية، والقوة البشرية الهائلة التي كان لها اليد الطولى والإسهام الفاعل في بناء نهضة الخليج، كما أن لديها القدرة العالية على تجاوز التحديات، والعزائم الفولاذية للعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر استثمار هذه الموارد وتوجيه طاقاتها البشرية نحو الإنتاج.
ولإدراك الهيئة الدقيق والكامل بذلك فهي تعمل جادة على إصلاح الاختلالات القانونية وتكريس ثقافة العمل الجاد على تنفيذ ما أنجز خلال السنوات الأربع الماضية، من تشريعات ضامنة ومنعشة ومسهلة للاستثمار عبر سلسلة من الإعفاءات الضريبية والجمركية التي كانت مفروضة على مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي والطاقة المتجددة.
كما اتجهت الهيئةالعامة للاستثمار نحو إنهاء مشكلات التداخل القانوني الموصول ببيئة الاستثمار في الجهات الحكومية الممثلة بمكاتب تنفيذية في نظام النافذة الواحدة في الهيئة العامة للاستثمار، كنظام معني بتوفير الجهد والوقت والمال عبر أحدث الطرق والأساليب المحوكمة التي تكفل اختصار المسار الإجرائي لعمليات تقنين الاستثمار والحصول على تصاريح وموافقات الجهات الحكومية المتعددة والمتباعدة في مواقعها، من مكان مؤسسي واحد هو نظام النافذة الواحدة، بالهيئة العامة للاستثمار.
وفي هذا السياق كثفت الهيئة جهودها خلال العام 2021م فأقامت لأول مرة منذ تأسيسها في مطالع تسعينيات القرن الماضي، وبالشراكة مع وزارة الشؤون القانونية سلسلة من الندوات الأسبوعية التي عقدتها على مدى خمسة أشهر ابتداء من 16 يونيو 2021م وامتدادا أسبوعيا إلى 20 أكتوبر 2021م برئاسة مدير مركز التدريب القانوني ومشاركة جميع مكاتب الجهات الحكومية الممثلة في نظام النافذة الواحدة وبحضور وكيل وزارة الشؤون القانونية ومستشار الوزير ونائب عميد كلية الشريعة والقانون، في جامعة صنعاء، خلصت هذه الندوات ونقاشاتها المستديرة على طاولة واحدة، إلى تشخيص شامل للمشكلات والعوائق التي تكتنف طريق نظام النافذة الواحدة، و إصلاحه تشريعيا وإداريا ومهاما، فيما نتائجها وتوصياتها الآن قيد المتابعة والتنفيذ.
كما أن انطلاق مؤتمر الاستثمار الأول في الحديدة 24-25 يناير 2022م تحت شعار "تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي" لجدير بأن يكون لبنة أساسية على طريق التنمية المستدامة كهدف اقتصادي أصيل تنشده اليمن كأي بلد من بلدان العالم، وعلى اعتبار أن المفهوم الإجرائي للتنمية المستدامة يعني خلق خطط تنموية نافذة، ومشاريع استثمارية تتسم بنماء وديمومة مداخيلها ومواردها وقدرتها على تحقيق تعدد القيم المضافة وما توفره من مقتضيات مكافحة الفقر، والحد من البطالة، وخفض فاتورة الاستيراد وصولا إلى الاكتفاء الذاتي والتصدير.
الأهم في مسار الحديث عن مؤتمر الاستثمار الأول بالحديدة، وتحقيق هدفي: التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي، هو أن المؤتمر ركز بمضامينه النظرية ورؤاه التنفيذية على فتح الباب واسعا وبلا مواربة أمام الرساميل المحلية والخارجية، الطامحة للاستثمار في مجالات البنية التحتية، وإنتاج الطاقة المتجددة، والقطاع الزراعي، والصناعات الغذائية والسلعية الاستهلاكية، بحكم تميز محافظة الحديدة بأكبر وأهم منطقة صناعية في الجمهورية اليمنية، تتموضع موقعا متميزا في نهاية امتداد السهل التهامي الوفير بفرص الاستثمار الزراعي، من جهة، ومن جهة أخرى في خاصرة البحر الأحمر، وعلى مرمى حجر من أكبر موانئ الجمهورية وأهمها بالنسبة للتصدير.