التنمية المستدامة ..
مفهومها , خصائصها , أبعادها ومعوقاتها
د/ ايمان فضائل
يعد القطاع التنموي أساساً لتحقيق الحياة الكريمة للشعوب واستقلالّها وصنع القرارات، وعليه فإن التنمية أضحت أساساً لتمكين الدولة اقتصاديّاً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً وديمغرافياً، حيث تسعى الدول إلى تحقيق التنمية المستدامة الداخليّة لنفسها بهدف الحفاظ على سيطرتها على مواردها الداخليّة وعلى حكمها، ومنع تدخل القوى الأخرى المهيمنة، والتي تهدف بشكل رئيس إلى السيطرة عليها واستنزاف طاقاتها ومواردها والتحكم بها، بحجة النهوض بها وإعادة تأهيلها.
فالتنمية المستدامة بمفهومها الشامل والعام عبارة عن نشاط شامل لكافة القطاعات سواء في الدولة أو في المنظمات أو في مؤسسات القطاع العام أو الخاص أو حتى لدى الأفراد، تتم فيه عملية تطوير وتحسين ظروف الواقع، من خلال دراسة الماضي والتعلم من تجاربه، وفهم الواقع وتغييره نحو الأفضل، والتخطيط الجيد للمستقبل، وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات البشريّة والمادية بما في ذلك المعلومات والبيانات والمعارف التي يمتلكها القائمون عملية التنمية، مع الحرص على الإيمان المطلق بأهمية التعلم المستمر واكتساب الخبرات والمعارف وتطبيقها.
لا تقتصر التنمية على جانب واحد أو مجال واحد فقط من المجالات الحياتيّة بل تشمل التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية والعسكريّة والإنسانية والنفسية والعقلية والطبيّة والتعليمية والتقنية وغيرها، بحيث تهدف بشكل رئيس إلى رفع وتحسين مستوى المعيشة لدى الأفراد، وضمان معيشة أفضل للأجيال القادمة.
وللتنمية المستدامة خصائص منها أنها تمتاز بطول مداها؛ حيث يُعدّ البُعد الزمنيّ أساساً في خطط عملها، إلى جانب بعديها الكميّ والنوعيّ، و مُراعاة حقوق الأجيال اللّاحقة والحفاظ عليها فيما يتعلق بالموارد الطبيعيّة، والاهتمام بالاحتياجات الأساسيّة للأفراد، ووضعها في المقام الأول، وتركيز الاهتمام على المحيط الحيويّ، ومحتوياته كافّة، وإيلاء الطبقة الفقيرة الاهتمام البالغ، وجعلهم مقاماً مُستهدفاً من أهداف التّنمية المستدامة، والاستخدام الأمثل للموارد، وذلك بتحقيق التّنسيق والتكامل الدوليّ بين الدّول الغنيّة والفقيرة.
وبالنظر في خصائص التنمية المستدامة نجد أن مفهوم التنمية في الدّول النامية يختلف عنه في الدول المتقدّمة؛ فالتنمية في الدول النامية تعني التغيير الجذريّ في أوضاعٍ ومجالاتٍ مختلفةٍ ومتنوعةٍ في الدولة، بينما تعني في الدول المتقدمة إحداث تغييرٍ في الأوضاع القائمة وقد لا تكون مختلفةً ولا متنوّعةً فيكون البناء والتطوير على قواعد موجودةٍ أصلاً، وغالباً ما تكون خطط التنميّة في الدول الفقيرة شاملةً الأبعاد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة بهدف توفير حياةٍ كريمةٍ لأفراد المجتمع.
وعند الحديث عن التنمية المستدامة في اليمن فإننا نعني عمليّة تطويريّة للمدن والأعمال التجاريّة والأراضي والنهوض بكافة قطاعات الدولة، واكتساب الميزة التنافسيّة في الأسواق الدوليةـ والتمكن من الوقوف بقوة في ساحة الأعمال الدوليّة بشتى مجالاتها سعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتيّ في مختلف النواحي، فالتنمية المستدامة تعد من الفرص المميّزة التي تتيح إمكانية إقامة الأسواق، وفتح مجال العمل، ودمج المهمشين في المجال المجتمعي.
تسعى التّنمية المستدامة لتحقيق أبعاد رئيسة ثلاثة: البعد البيئيّ والبعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي،تُركّز التّنمية المستدامة على البعد البيئيّ في تحقيق أهدافها، ويتمثّل ذلك بضرورة ترشيد استهلاك الموارد النّاضبة؛ أي الحفاظ على الأصول الطبيعيّة والاهتمام بها قدر الإمكان؛ سعياً لتوفير مستقبل بيئيّ آمن، بالإضافة إلى مراعاة القدرات المحدودة للبيئة على استيعاب النّفايات.
كما تُركّز التّنمية المستدامة على الناحية الاقتصاديّة في البُلدان الغنيّة؛ سعياً إلى تخفيض مستويات الاستهلاك في الطاقة والموارد الطبيعيّة، وخاصّة فيما يتعلّق بالنفط والغاز والفحم وغيرها.
ويُعدّ البعد الاجتماعيّ بُعداً في غاية الأهمية بالنسبة إلى التنمية المستدامة؛ حيث إنّ البشريّة محطّ اهتمام كبير إذ تتطلع التّنمية إلى تحسين مستويات الرّعاية الصحيّة والتعليميّة.
أما البعد التكنولوجيّ فإنه يعدّ هدفاً تسعى التّنمية المستدامة إلى تحقيقه بسرعة فائقة؛ لمواكبة المجتمعات الصناعيّة، وليصبح المجتمع ذا تكنولوجيا متقدّمة، وله قدرة على الحدّ من تلوث البيئة بكلّ كفاءة وقدرة عالية.
وإذا ما وقفنا على مُعوِّقات التنمية في اليمن نجد أن:
- انعدام الاستقرار السياسي يعد من أكبر معوقات التنمية.
- سوء الأوضاع الاقتصاديّة وتكدّس الدّيون وتفشّي الفقر والبطالة من أهمّ المُعوّقات للتنمية بأشكالها الاقتصاديّة والثقافيّة والإنتاجيّة.
- ارتفاع نسب الأُميّة في الشعب اليمنيّ، وضعف الوعي بأهميّة التّعليم، وكذلك جهل كيفيّة تطوير وتنمية القطاعات في مختلف مجالاتها.
- قلّة عدد المؤسسات الثقافية والتنموية وعدم قيام المؤسسات الموجودة بدورها على نحوٍ فاعل.
- الفساد الذي تفشّى في اليمن بكافة أركانها.
- شحّ المياه الذي يعاني منه اليمن حالياً، حيث أصبحت معظم الأحواض المائية مهددةً بالنّضوب، الأمر الذي يُهدّد حياة الكثير من اليمنيين ويُشغلهم عن التفكير في رفع مستوى الدولة ومواردها.
- انعدام عنصري الأمن والأمان حيث تُعدّ الحروب الداخلية مع غياب الأمن أمراً مُستنزفاً للأموال في الدّول التي تعاني من عدم الاستقرار والحروب الداخلية وطاردا لكل مقومات التنمية.
- تدنّي مستويات الإمكانيّات التقنية والخبرات الفنيّة وتراجعها نظراً لتوجّه العقول المفكّرة في الدول إلى الهجرة إلى الدول المتقدمة، ويعود الأمر بالسّلب على خطط التّنمية.
- الانفجار السكانيّ: حيث يتسبّب النموّ السكاني الكبير بإرهاق التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعية.
فمتى ما عملت كل مؤسسات الدولة -جاهدة- على التخطيط الفاعل للتطوير والتنمية المستدامة مستعينة بذوي الاختصاص والخبرة وسعت حثيثا لتنفيذ الخطط في وقتها المحدد أمكننا التغلب على المعوقات وتجاوزنا العقبات وحينها نتمكن من تطوير وضع خطط للتنمية المستدامة والعمل على تنفيذها.
ومتى ما توحدت الجهود واتفقت على تقديم مصلحة الوطن والمواطن ونبذ الخلافات والفرقة والتحزب والطائفية والمضي قدما نحو التنمية والتطوير أصبح اليمن وطنا مستقرا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا جاذبا لرؤوس الأموال المحلية والخارجية وبيئة خصبة للاستثمار مكتفيا ذاتيا -دون الحاجة لأي مساعدات أو دعم خارجي- ينعم أبناؤه بالحياة الكريمة فيه دون الحاجة للهجرة.